العطاء كجزء من العبادة؟
العطاء كعبادة:
في العهد الجديد لم نعد تحت الناموس الطقسي. لم يعد هناك إلزام اجباري لتقديم "العشور". عندما تغير الكهنوت، كذلك تغير الناموس (عبرانيين 7: 12). أنظر "العشور في العهد الجديد؟" أدناه.وبدلاً من ناموس العشور أصبح لدينا الآن نعمة العطاء، أو عطاء المحبة. ومع كونه ليس نسبة مئوية محددة، إلا أن هذا عطاء سخي بسعادة للرب (متى 25: 31-46، 1كورنثوس16: 1-2، 2 كورنثوس 9: 1-7: قارن مع أعمال 2: 42-45، 4: 32-35، إلخ.). لدى المسيحي امتياز وفرصة العطاء بحرية، وطوعًا، وبمحبة، وفي الإيمان. يمكننا أن نساعد الفقراء، والأيتام، والأرامل، والمتشردين، وأن نعطي لدعم الكنيسة، والعاملين بها، ومؤسسات أخرى. هذا واجب علينا، ولكنه امتياز أيضًا.
إلا أن العديد من الناس لا يستغلون هذه الفرصة. هو واجب مهمل. لماذا؟ جزئيًا، إنها مشكلة عبادة!
نحن نذهب للكنيسة. نحن نعبد بالكلمة، والصلاة، والتسبيح، والشركة، ومن خلال الأسرار. يا لعظم هذه العبادة. من الرائع أن يتلامس الروح مع أرواحنا بغناه. إلا أن العديدين لا يدركون أن "العطاء" (داخل الكنيسة وخارجها) هو عبادة أيضًا.
العطاء الصحيح هو جزء من العبادة الكتابية! العبادة لا تكتمل بدون العطاء!
ما هي العبادة؟ نقرأ في إقرار الإيمان الوستمنستري الفصل 21: 1:
إذًا، فالكنيسة ليست حرة لعبادة الله بالطريقة التي ترغبها. لا يمكننا أن نلغي العطاء ونقول أننا قد قدمنا العبادة!إن ضوء الطبيعة يبين أنه يوجد إله، وهو الرب على الكل وله سلطان على كل شيء، هو صالح، ويعمل الصلاح للكل، ولذا يجب على الكل أن يهابه، ويحبه، ويسبحه، ويدعوا باسمه، ويثقوا فيه، ويخدموه بكل القلب، وكل النفس، وكل القدرة. ولكن الطريقة المقبولة لعبادة الإله الحقيقي أسسها هو ذاته، وهي بالتالي محدودة بحسب إرادته المعلنة، بحيث أنه لا يُعبد بحسب طرق البشر ومخيلاتهم، أو بحسب اقتراحات الشيطان، تحت أي تمثيل مرئي، أو أي طريقة أخرى لم تُذكر في الكتاب المقدس.
عبر العهد القديم نظّم الله عبادة شعبه. أعطى الخطط المعماريّة للمباني الخاصة به (الخيمة في البرية، والهيكل، والأثاث- وحتى الملاذ الخاص بفلك نوح). هو أقام الكهنوت الذي من سبط لاوي وحدد طريقة معينة لتقديم الذبائح المختلفة. إن عبادة العهد القديم لم تكن من تصميم الإنسان، بل الله.
في العهد الجديد توجد استمرارية وعدم استمرارية. فنحن لم نعد تحت الناموس (المدني والطقسي). ذبائح الهيكل وتقدماته قد اختفت، ولكننا مازلنا نحتفل "بالذبيح". لم يعد لدينا نظام هيكلي معين لنتبعه، ولكن الكنيسة من المفترض أن تستمر في فعل كل الأمور بترتيب ولياقة.
الكنيسة المشيخية لديها كتاب للنظام الكنسي ليساعدها في العبادة الصحيحة –بحسب الكتاب المقدس. كما يكتب توماس رايكن Thomas Ryken هذا المبدأ التنظيمي: "يساعدنا أن نتأكد أن الله –وليس الإنسان- هو السلطة العليا لكيفية ممارسة العبادة الجماعية، عن طريق التأكيد على أن الكتاب المقدس، أي إعلان الله الخاص نفسه (وليست آرائنا، أو أذواقنا، أو ما نرغب فيه أو نظرياتنا)، هو العنصر الأساسي في ممارستنا للعبادة الجماعية ونهجنا لها".(Give Praise to God: A Vision for Reforming Worship: Phillipsburg, NJ: P&R Publishing, 2003, pg. 24). فالكتاب المقدس وحده يمكنه أن يعلن لنا العبادة الحقيقية والعبادة الزائفة.
الليتروجية الكنسيّة الملائمة تتضمن "العطاء". وهذا ليس بالأمر الجديد. فحتى في القرن الأول نرى نمط عبادة مشابه. وصف يوستينوس الشهيد (100-165م تقريبًا)، وهو مدافع مسيحي مبكر، العبادة كالتالي:
هل رأيت هذا؟ أعضاء الكنيسة "أعطوا" كجزء من العبادة! كانوا يهتمون بالأيتام، والأرامل، والمرضى، وحتى الغرباء- والذين كانوا في احتياج كلهم. يا لها من فرصة. يا له من إيمان. يا لها من محبة.وفي اليوم المُسمى الأحد، كل من يعيش في المدن أو في القرى يجتمعون معًا إلى مكان واحد، وتُقرأ مذكرات الرسل أو كتابات الرسل، بقدر ما يسمح الوقت، ثم، عندما يتوقف القارئ، يرشد الرئيس شفاهيًا ويشجع على محاكاة هذه الأمور الجيدة. ثم نقف جميعنا معًا ونصلي، وكما قلنا سابقًا، عندما تنتهي صلاتنا، يتم إحضار الخبز والخمر والماء، والرئيس - وعلى نفس المنوال- يقدم الصلوات والشكر، بحسب قدرته، ويصدق الشعب بقول آمين: ويوجد توزيع للكل، ومشاركة لهذا الذي تم الشكر عليه، وللغائبين يتم إرسال جزء على يد الشمامسة. ومن هم في حالة مادية جيدة، ومن يرغبون، يعطون ما يرونه ملائمًا، وما يتم جمعه يودع مع الرئيس، الذي يساعد الأيتام والأرامل، وهؤلاء الذين في احتياج سواء من خلال المرض أو أي سبب آخر، وهؤلاء الذين هم في قيود، والغرباء النازلين بيننا، وباختصار يهتم بكل من هم في احتياج . (First Apology, 92-93).
العبادة في فيلبي:
كتب بولس في فيلبي 4: 10-20:
ثُمَّ إِنِّي فَرِحْتُ بِالرَّبِّ جِدًّا لأَنَّكُمُ الآنَ قَدْ أَزْهَرَ أَيْضًا مَرَّةً اعْتِنَاؤُكُمْ بِي الَّذِي كُنْتُمْ تَعْتَنُونَهُ، وَلكِنْ لَمْ تَكُنْ لَكُمْ فُرْصَةٌ. لَيْسَ أَنِّي أَقُولُ مِنْ جِهَةِ احْتِيَاجٍ، فَإِنِّي قَدْ تَعَلَّمْتُ أَنْ أَكُونَ مُكْتَفِيًا بِمَا أَنَا فِيهِ. أَعْرِفُ أَنْ أَتَّضِعَ وَأَعْرِفُ أَيْضًا أَنْ أَسْتَفْضِلَ. فِي كُلِّ شَيْءٍ وَفِي جَمِيعِ الأَشْيَاءِ قَدْ تَدَرَّبْتُ أَنْ أَشْبَعَ وَأَنْ أَجُوعَ، وَأَنْ أَسْتَفْضِلَ وَأَنْ أَنْقُصَ. أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ الَّذِي يُقَوِّينِي.
غَيْرَ أَنَّكُمْ فَعَلْتُمْ حَسَنًا إِذِ اشْتَرَكْتُمْ فِي ضِيقَتِي. وَأَنْتُمْ أَيْضًا تَعْلَمُونَ أَيُّهَا الْفِيلِبِّيُّونَ أَنَّهُ فِي بَدَاءَةِ الإِنْجِيلِ، لَمَّا خَرَجْتُ مِنْ مَكِدُونِيَّةَ، لَمْ تُشَارِكْنِي كَنِيسَةٌ وَاحِدَةٌ فِي حِسَابِ الْعَطَاءِ وَالأَخْذِ إِلاَّ أَنْتُمْ وَحْدَكُمْ. فَإِنَّكُمْ فِي تَسَالُونِيكِي أَيْضًا أَرْسَلْتُمْ إِلَيَّ مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ لِحَاجَتِي. لَيْسَ أَنِّي أَطْلُبُ الْعَطِيَّةَ، بَلْ أَطْلُبُ الثَّمَرَ الْمُتَكَاثِرَ لِحِسَابِكُمْ. وَلكِنِّي قَدِ اسْتَوْفَيْتُ كُلَّ شَيْءٍ وَاسْتَفْضَلْتُ. قَدِ امْتَلأْتُ إِذْ قَبِلْتُ مِنْ أَبَفْرُودِتُسَ الأَشْيَاءَ الَّتِي مِنْ عِنْدِكُمْ، نَسِيمَ رَائِحَةٍ طَيِّبَةٍ، ذَبِيحَةً مَقْبُولَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ. فَيَمْلأُ إِلهِي كُلَّ احْتِيَاجِكُمْ بِحَسَبِ غِنَاهُ فِي الْمَجْدِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. وَِللهِ وَأَبِينَا الْمَجْدُ إِلَى دَهْرِ الدَّاهِرِينَ. آمِينَ.
الآن ما يمكننا أن نفعله في ثوان من خلال تحويل بنكي، أخذ وقت أطول آنذاك. أَبَفْرُودِتُسَ سافر ما يساوي 1200 ميل تقريبًا ليحمل عطية أُعطيت طوعًا من كنيسة فيلبي إلى بولس في روما. فقد أظهر أهل فيلبي محبتهم له من خلال كرمهم.
فما كان رد فعل بولس على هذه العطية "التي أتت طوعًا"؟ يقول فليبي 4: 10: "ثُمَّ إِنِّي فَرِحْتُ بِالرَّبِّ جِدًّا". ويضيف: "أَنَّكُمْ فَعَلْتُمْ حَسَنًا إِذِ اشْتَرَكْتُمْ فِي ضِيقَتِي" (فيلبي 4: 14). بولس 1- فرح بالرب و2- شكر. لقد احتفل لأنهم أظهروا المحبة الحقيقية والإيمان "الْمُتَكَاثِرَ لِحِسَابِكُمْ" (فيلبي 4: 17).
إلا أن بولس لم يقف عند هذا الحد. فهو لم "يفرح بالرب جدًا" (فيلبي 4: 10) فحسب، لكنه رأى أيضًا العطية "الطواعية" على أنها "نَسِيمَ رَائِحَةٍ طَيِّبَةٍ، ذَبِيحَةً مَقْبُولَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ" (فيلبي 4: 18 قارن مع يعقوب 2: 14-26). لقد أعطى أهل فيلبي لبولس، ليدعموا خدمته، ومن خلال هذا، يقول الكتاب المقدس أنهم قدموا ذبيحة، مقبولة ومرضية عند الله. هذه هي العبادة المرضية! يقول جوردون في Gordon Fee:
الصورة هنا هي صورة ذبيحة المحرقة، والتي فُهمت على أنها تقدمة بخور لله. هي صورة رائحة طيبة لنار الذبيحة وكأنها تصعد إلى السماء- إلى "فتحة أنف" الله. وعند تقديمها بشكل صحيح تصبح "ذبيحة مقبولة ومرضية عند الله". يقول بولس أن هذا ما وصلت إليه عطيتهم من وجهة النظر الإلهية. فعطيتهم، والتي لبّت احتياج بولس المادي، قد أسرت الله بهذه الحقيقة عينها.(IVP - NT Comm., Phil.)
فالعطاء طواعية، وبسخاء، وبفرح، وبتضحية هو عبادة يقبلها الله. وهذا النوع من العبادة يرضي الله. يا له من فرح. ويا لها من فرصة.
وبينما كانت المحبة دافعهم للعطاء، ففتح أكياس أموالهم كان خطوتهم في الإيمان. فالنوايا الحسنة وحدها ليس الإيمان. فلقد أعطوا مضحين، والله الذي يرى في الخفاء (متى 6: 4) يجازيهم في وقته. يقول بولس: "فَيَمْلأُ إِلهِي كُلَّ احْتِيَاجِكُمْ بِحَسَبِ غِنَاهُ فِي الْمَجْدِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ." (فيلبي 4: 19). يا لها من بركة!
يقول في Fee:
وبالرغم من أنه لا يقدر أن يرد الجميل بنفس النوع، بما أن عطيتهم كان لها تأثير الذبيحة العطرة، المرضية لله، فإن بولس يؤكد لهم أن الله، الذي يسميه عن قصد "إلهي"، هو من سيتكفل بمسؤولية رد الجميل...
إن كرم أهل فيلبي تجاه بولس، والذي تم التعبير عنه بسخاء في بداية فيلبي 4: 18، سيفوقه فوق كل تخيل سخاء "غنى" الله الأزلي، الذي يسكن "في مجد" كامل "الغنى" الذي جعله متاح لخاصته "في المسيح يسوع". إن "غنى" الله هو الغنى الكامن في كونه الله، والخالق ورب الكل، فلا شيء يوجد خارج ملكيته الشرعية ونطاق سلطته. فهي له "في المجد" بمعنى أن "غناه" موجود في نطاق مجد الله، حيث "يسكن" الله في بهاء غير محدود وعظمة غير محدودة، "المجد" الذي له كالله وحده. و"تماشيا مع" كل هذا- وليس "نابعًا من" غناه، ولكن في توافق مع طبيعته، "الغنى" اللامحدود من النعمة الذي لمجد الله شخصيًا- أن مخزون الله الكامل سيأتي باتجاههم ليلبي كل احتياج لديهم. إن اللغة شاملة عن قصد، ففي النهاية، يحاول بولس أن يقول شيئًا محددًا عن الله الأزلي وعن علاقته بشعبه. ولهذا السبب، فإن الكلمة الأخيرة ليست السماوية "في المجد"، ولكنها الأرضية والسماوية مدمجا معًا: "في المسيح يسوع".
لم يعطي أل فيلبي عن خوف، ولكن بإيمان في الشخص الذي يملك كل شيء (مزمور 24: 1 قارن رومية 8: 32). بولس أيضًا كان يتعامل بالإيمان. فهو لم يعتمد على كمية محددة من الدعم لكي تكون حاضرة كل أسبوع (أي أنه لم يعلم بعشور تبلغ قيمتها 10%)، بل بالأحرى أتكل على الرب وحده- "سيملأ إلهي".
يقول 2 كورنثوس 8: 9: "فَإِنَّكُمْ تَعْرِفُونَ نِعْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَنَّهُ مِنْ أَجْلِكُمُ افْتَقَرَ وَهُوَ غَنِيٌّ، لِكَيْ تَسْتَغْنُوا أَنْتُمْ بِفَقْرِهِ." فإن بولس متأكد من بركات العهد الإلهي بسبب ذبيحة يسوع. وقلوبنا أيضًا يجب أن تطمئن من نيته الحسنة تجاهنا عندما نتبع كلمته (رومية 8: 32). نقدر أن نحب لأنه هو أحبنا أولًا (1 يوحنا 4: 19) وروحه يمكّننا أن نعطي (وأن نستقبل- وهو درس يمكن أن يصعب تعلمه أيضًا) لأنه هو أعطى أولًا (2 كورنثوس 8: 9).
العطاء- أي العطاء الملائم- هو جزء من العبادة الحقيقية.
روابط ذات صلة:
العشور في العهد الجديد؟ العشور في العهد القديم؟ محا الصك- كولوسي 2: 14الدكتور جوزيف نالي، حاصل على درجة الماجستير في اللاهوت الرعوي والدكتوراه في اللاهوت، هو محرر لاهوتيّ في خدمات الألفيّة الثالثة.