العهود بشكل عام
في النظام الأصلي للخليقة، كانت علاقة الله بالإنسان علاقة عهدية. يمكن الاستدلال على هذا الأمر بعدد من الطرق.
أولاً، الطريقة المعيارية التي كان الملك المهيمن (الملك الأعظم) يتعامل بها مع الملك التابع (الملك الأقل مرتبة) كانت من خلال المعاهدة القومية، والتي تُسمى أيضًا عهد. كانت هذه العهود هي اتفاقيات يفرض من خلالها الملك المهيمن/المسيطر العلاقة بينه وبين التابع، بالإضافة إلى شروط تلك العلاقة. كان يقدم البركات لاتباع شروط العلاقة، ويهدد باللعنات في مقابل كسر شروط العلاقة. وبما أن الإنسان هو الملك التابع لله، والله هو الملك المهيمن، فقد كان موسى ومستمعيه الأصليين يفترضون أن الله سيتعامل مع البشرية من خلال عهد.
ثانيًا، يوجد عدد من المظاهر المعيارية للعهد، ويمكن أن نجد هذه في قصة الخلق. من المهم أن نلاحظ أنه يوجد تعريفان أساسيان للعهد. التعريف الأول هو أن العهد هو اتفاق بين طرفين، مثل المعاهدة أو العقد. التعريف الثاني هو أن العهد هو العلاقة بين هذين الطرفين والتي يصيغها الاتفاق. في الحقيقة، يستخدم الكتاب المقدس كلمة "العهد" بالطريقتين. بينما لا توجد وثيقة عهدية أو طقس أو ذبيحة في قصة الخلق (العناصر الشائعة لاتفاق العهد)، إلا أنه توجد الأدلة الكثيرة التي تشير إلى أن العلاقة العهدية موجودة بين الله والبشرية.
يذكر اللاهوتيون المختلفون عناصر العهد بطرق مختلفة، ولكن توجد على الأقل خمسة عناصر أساسية للعلاقة العهدية التي تنعكس بشكل نموذجي في الوثائق العهدية القديمة، وكل منها موجود في قصة الخلق:
1- إحسان الملك المهيمن:قبل قطع العهد، يظهر الملك المهيمن إرادته الصالحة في شكل بركات للملك التابع. في حالة البشرية، فقد خلقهم ووضعهم في جنة "حسنة جدًا" (التكوين 1: 31). لقد كان هو تتويج خليقة الملك المهيمن.
2- التزامات التابع:
كانت العلاقات العهدية تُفرض من جانب واحد، أي من طرف الملك المهيمن وعلى الملك التابع. فيما يختص بالبشرية، فإن الله قد أعطى للبشرية دورًا لا يمكن رفضه (التكوين 2: 15). كما أنه فرض أيضًا الشروط والنتائج، والاستمرارية (انظر أدناه). انظر "العهود المشروطة وغير المشروطة" أدناه.
3- الشروط:
تشتمل شروط العهد على قوانين كان يجب على الملوك التابعين أن يطيعوها. كان الملوك المهيمنين في القديم يطالبون في الكثير من الأحيان أن يدفع الملك التابع الجزية ويقدم الرجال ليخدموا في الجيش، إلخ. (بالضبط كما كان الملوك التابعين والملوك المهيمنين يطلبون هذه الأمور من شعبهم الخاضع لهم بشكل عام. قارن 1 صموئيل 8: 11-17). في جنة عدن، كانت الشروط تشتمل على العمل والاعتناء بالجنة (التكوين 2: 15)، والإثمار والإكثار (التكوين 1: 28)، وعدم الأكل من شجرة معرفة الخير والشر (التكوين 2: 16-17).
4- النتائج:
كانت العهود تفرض النتائج أيضًا، كلا النتائج الإيجابية (أي البركات) لطاعة الشروط، والنتائج السلبية (أي اللعنات) لعصيان الشروط. أوضح النتائج المذكورة في قصة الخلق هي اللعنة التي تقع على الخليقة (بما فيها آدم وحواء) إن أكل آدم/حواء من شجرة معرفة الخير والشر (التكوين 2: 16-17).
5- الاستمرارية/الخلافة:
كانت العهود تضمن أيضًا استمرارها في المستقبل. في الكثير من الأحيان اخذ هذا الضمان شكل ذكر من سيرث مسؤوليات العهد، لكل من الملك المهيمن والملك التابع، في أجيال المستقبل. مثل هذه القوانين للخلافة كانت مبنية على الفهم بأن العهد دائم. وبشكل ملائم، فإن نتائج عهد الله الأصلي مع البشرية امتدت إلى الأجيال المستقبلية من البشرية (مثال، كل البشر، وليس آدم وحواء فقط، طردوا من جنة عدن، التكوين 3: 24، انظر أيضًا رومية 5: 12-19).
ثالثًا، تشير أجزاء أخرى من الكتاب المقدس إلى الخليقة الأصلية على أساس أنها كانت عهدية. على سبيل المثال نقرأ في هوشع 6: 7: "وَلكِنَّهُمْ كَآدَمَ تَعَدَّوْا الْعَهْدَ. هُنَاكَ غَدَرُوا بِي." بعض المفسرين يعتبرون أن كلمة "آدم" هي إشارة إلى البشرية بشكل عام، أو إلى مدينة تحمل هذا الاسم (قارن يشوع 3: 36). ولكن يبدو أكثر إشارة طبيعية هي الإشارة للإنسان الأول. بالطبع، فإن هذا الإنسان الأول كان يمثل البشرية ككل لأنه كان رأسهم الفدرالي (رومية 5: 12-21).
يشير سفر التكوين نفسه أيضًا إلى العهد مع آدم. فعندما جاء العهد مع نوح، فإن اللغة تشير إلى تأكيد (العبري: قوم، التكوين 6: 18، 9: 11 وما يليها) على عهد موجود بالفعل وليس إلى خلق (العبري: كارات) عهدًا جديدًا. وبالتالي، يُفترض وجود عهد سابق عندما يتحدث الله لنوح عن تأكيد عهده. وبينما لا يوجد شيء في سفر التكوين يُسمى "عهد" قبل قصة نوح، إلا أنه من المنطقي أن نصل إلى نتيجة أن موسى فهم الاتفاق الأولي بين الله والبشرية على أنه السالف للعهد مع نوح. انظر "العهد المُجدد أم العهد الجديد؟" أدناه.
في النهاية يتضح أنه هناك عهد تحت رعاية المسيح (متى 26: 28، مرقس 14: 24، لوقا 22: 20، 2 كورنثوس 3: 6، العبرانيين 7: 22، 8: 6). يقارن العهد الجديد بين آدم والمسيح، ويربط الاثنين فيما يختص بمعايير عناصر العهد (رومية 5: 12-19، 1 كورنثوس 15: 22، 45-49). بما أن تلك العناصر تشير بوضوح إلى عهد في حالة المسيح، فمن المنطقي أن نستنتج أنها تشير إلى عهد أيضًا في حالة آدم. فكما خدم المسيح كوسيط عهد في زمنه، كذلك كان آدم وسيط العهد في الخليقة، ولهذا نشير إلى الإدارة الآدميّة للعهد.
روابط ذات صلة:
العهود المشروطة وغير المشروطةالعهد المُجدد أم الجديد؟
ما هو عهد النعمة؟
الدكتور جوزيف نالي، حاصل على درجة الماجستير في اللاهوت الرعوي والدكتوراه في اللاهوت، هو محرر لاهوتيّ في خدمات الألفيّة الثالثة.