بالفعل وليس بعد
nav
search
globe
monitor
monitor
globe
arrow left

خيارات متقدمة للبحث

إضافة أو حذف أو تحرير مصطلحات البحث:

أي من هذه الكلمات
كل هذه الكلمات
عبارة محددة
Select resource types:
أسئلة وإجابات
فيديو
يجب أن تعرض النتائج:
تفاصيل كاملة
أسماء الكاتب فقط

  Share

بالفعل وليس بعد

السؤال:
قرأت في وقت سابق شيئًا كتبه لوري (Lowery) عن "بالفعل وليس بعد". هل يمكنك أن تقتبس ما قاله ببلاغة شديدة؟
الإجابة:
يجب أن أطور المفهوم المذكور في عنوان هذا المقطع بشكل تدريجي. هذا سيسمح لنا أن نرى كيف أن كتابات يوحنا تلائم باقي العهد الجديد. إن التشبيه الذي قدمه أولًا علماء اللاهوت من عقود مضت هو مفيد. فقد أشار أوسكار كولمان (Oscar Cullmann) أن الله قد أعلن عن نفسه في التاريخ عبر سلسلة من الأعمال الخلاصية. وبالنسبة للمؤمنين في العهد القديم، كان مركز التاريخ هو في المستقبل، ولكن بالنسبة لتلاميذ عصر العهد الجديد والذين تبعوهم، فإن هذا المركز هو الآن في الماضي. فالمجيء الأول للمسيح هو المركز العظيم للتاريخ، وهذا يقع في الماضي.

إن تشبيه كولمان مذهل لأنه يقارن موقف تلاميذ يسوع بموقف شخص يعيش بين يوم D-Day (يونيو 1944) ويوم V-Day (ربيع 1945) خلال الحرب العالمية الثانية. كان يوم D-Day هو اليوم الذي غزت فيه جيوش الحلفاء أوروبا وبدأوا يدفعوا الجيوش الألمانية رجوعًا إلى ألمانية، بينما كان يوم V-Day هو اليوم الذي أعلنوا فيه نصرتهم الفعلية:

قد تكون المعركة الحاسمة في الحرب قد تمت بالفعل في مرحلة مبكرة من الحرب، ومع ذلك تستمر الحرب. بالرغم من أنه قد لا يتم الاعتراف بالتأثير الحاسم لتلك المعركة من قبل الجميع، إلا أنه يعني النصرة بالفعل. ولكن يجب استكمال الحرب لمدة غير محددة، حتى "يوم النصرة" (Victory Day). هذه هي بالضبط الحالة الحادثة في العهد الجديد، كنتيجة لإدراك التقسيم الجديد للزمن. يكمن الإعلان بشكل دقيق في حقيقة التصريح بأن ما حدث على الصليب، مع القيامة التي تبعته، كان المعركة الحاسمة الختامية بالفعل.

يعلمنا الكتاب المقدس بوضوح عن هذا المنظور: لقد انتصر المسيح بالفعل (1 كورنثوس 1 وما يليه؛ أفسس 1: 15 وما يليه؛ كولوسي 2: 15؛ العبرانيين 2: 14 وما يليه). تمت المعركة الحاسمة والانتصار في التجسد وفي القيامة. ولكن وقف إطلاق النار مازال في المستقبل. فأتباع المسيح مازالوا يحاربون في المعركة ضد القوات والسلاطين (أفسس 6: 10 وما يليه) حتى يأتي مرة أخرى ليُحدث النهاية المطلقة للمعركة. إننا لا نعرف مدة استمرارية المعركة. وبينما نحارب قوى الشر، فإننا نشهد في ظل نصرة المسيح على الصليب ونصرته النهائية التي ستتم في مجيئه الثاني. إننا نحارب بالقناعة أنه في يوم ما ستُوضع كل الأسلحة عند قدمي يسوع. يجب أن يشجع هذا المفهوم كل المؤمنين. كما أنه يحث الجميع أيضًا أن يكونوا أمناء ليسوع ولرسالته.

يقدم كولمان تشديدًا إضافيًّا يمكن أن يساعدنا في فهم طبيعة الحياة المسيحية ومكان سفر الرؤيا في السياق الكتابي. فهو آمن أننا نعيش في مرحلة تداخل الدهرين، هذا الدهر الحالي والدهر الآتي. فنحن نعيش بالفعل في الدهر الجديد، ومع ذلك نحن لا نعيش بالكامل في الدهر الجديد إذ أن المجيء الثاني للمسيح لم يحدث بعد. يكتب كولمان:

العنصر الجديد في العهد الجديد ليس هو الأخرويات، ولكن ما أسميه الشد والجذب بين "ما تحقيق بالفعل" من الأمور الحاسمة و"ما لم يتم بعد"، بن الحاضر والمستقبل. فلاهوت العهد الجديد كله، بما فيه كرازة المسيح، يصف هذا الشد والجذب.

إن يوم D-Day هو في الماضي. ويوم V-Day هو في المستقبل. في الوقت الراهن، فإننا نحن من نتبع المسيح، نعيش "ما بين الزمنين". فنحن نعلم أن المسيح هو المنتصر والمُخلِص الآن، ولكننا نعلم أيضًا أنه يوجد المزيد الذي لم يتم بعد. هذا يلائم تعريف "الأخرويات" والفهم الملائم "للأيام الأخيرة". فالمفهوم الكتابي للأخرويات يقبل كل من التركيز على "التأسيس" (أي أننا في الملكوت بالفعل ونتمتع ببركاته كتلاميذ للمسيح) والتشديد على "المستقبل" (أي أننا ننتظر الأحداث المستقبلية مثل المجيء الثاني، القيامة، الدينونة الأخيرة، السماوات الجديدة والأرض الجديدة، إلى آخره).

أتذكر رسم الكارتون الذي يصور شخص يسير حول المدينة، حاملًا لافتة مكتوبة عليها "اقتربت النهاية!" بحسب الكتاب المقدس، يجب أن نجد ثلاثة أشخاص يحملون لافتات. تنقل رسائلهم شهادة الكتاب المقدس: لقد أتت النهاية! النهاية قريبة! النهاية لم تأتي بعد. فنحن نعيش بثقة وسط هذا الشد والجذب بين ما نتمتع به بالفعل وما لا نملكه بعد، مع الشعور بتوقع أن النهاية قريبة دائمًا.

إن مفهوم العيش بين الأزمنة هذا يتم تطويره في كتابات الكتّاب التسعة المرتبطين بالعهد الجديد. في الحقيقة، لا يوجد كاتب من كتّاب العهد الجديد - مع وضع يوحنا جانبًا الآن - لا يتحدث عن معنى العيش ما بين المجيء الأول والثاني للمسيح (مثال، متى 28: 16-20؛ مرقس 13: 32-36؛ أعمال الرسل 17: 30-31؛ تيطس 2: 11-15؛ العبرانيين 10: 19-25؛ يعقوب 2: 1؛ 5: 8؛ 1 بطرس 1: 13-25؛ يهوذا 1: 3، 14-16، 18، 21).

فكر في بعض الموضوعات المحددة التي نجد فيها هذا الشد والجذب بين ما حدث بالفعل وما لم يتم بعد. المسيحيون هم بالفعل في الملكوت، ومع ذلك ينتظرون مجيء الملكوت في كماله (كولوسي 1: 13-14؛ الرؤيا 11: 15). نحن نختبر بالفعل حضور الله عبر سكنى الروح القدس، ولكننا ننتظر الحضور الكامل لله (أفسس 1: 13-14؛ رؤيا 21: 3). نحن نعبد بالفعل، ولكننا نعلم أنه في يوم من الأيام ستكون هناك عبادة كاملة (رومية 12: 1؛ الرؤيا 22: 3-5). لدينا بالفعل شركة مع الله ومع إحدانا الآخر، ولكن الشركة الكاملة لم تأتي بعد (1 يوحنا 1: 5-7؛ الرؤيا 21: 1-22: 6). نحن بالفعل نختبر السلام، والفرح، والمحبة، ولكن هذه ستكون كاملة في يوم من الأيام (غلاطية 5: 22-23؛ الرؤيا 22: 3). اختبرنا بالفعل القيامة، ولكننا ننتظر القيامة المستقبلية (رومية6: 11، الرؤيا 20: 4-6، 11-15). نحن نشترك بالفعل في العشاء الخاص مع المسيح، ولكننا ننتظر عشاء عرس الحمل (1 كورنثوس 11: 23-26؛ الرؤيا 19: 9).

نجد هذا المفهوم في كتابات يوحنا أيضًا. فالشد والجذب بين الآن وليس بعد موجود في مقاطع مثل يوحنا 6: 39، 40، 44، 54؛ 11: 24؛ 12: 48 وفي 1 يوحنا 1: 2؛ 2: 18، 22، 28؛ 3: 2-3. لنا بالفعل الحياة الأبدية، ولكننا ننتظر اكتمال الحياة الأبدية (يوحنا 6: 26 وما يليه؛ 11: 25؛ 12: 23 وما يليه؛ 14: 1 وما يليه). نحن بالفعل نستقبل البركات لأننا ننتمي للمسيح، ولكننا نتوقع أيضًا البركات الأعظم عند مجيئه.

يكتب يوحنا في سفر الرؤيا عن النصرة التي ربحها المسيح في الماضي (الرؤيا 1: 5، 18؛ 5: 5-7، 9-10؛ 12: 1-4، 7-12)، كما يكتب عن النصرة الأخيرة في المجيء الثاني (الرؤيا 1: 7؛ 6: 12-17؛ 7: 1-17؛ 11: 15-19؛ 16: 15-21؛ 19: 1-21؛ 20: 7-15؛ 22: 7، 12، 20). فكر في الأمثلة التالية المذكورة في المقاطع القليلة الآتية.

في الرؤيا 1: 5-8، توجد إشارة واضحة للمجيء الأول للمسيح (الرؤيا 1: 5 يعلن أنه هو "الشَّاهِدِ الأَمِينِ، الْبِكْرِ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَرَئِيسِ مُلُوكِ الأَرْضِ. الَّذِي أَحَبَّنَا، وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ"). كما أنه توجد إشارة أيضًا للمجيء الثاني للمسيح في الرؤيا 1: 7 ("هُوَذَا يَأْتِي مَعَ السَّحَابِ، وَسَتَنْظُرُهُ كُلُّ عَيْنٍ"). ما بين الإشارة إلى الماضي والإشارة للمستقبل نجد دعوة للمؤمنين أن يدركوا أنهم أصبحوا الآن جزء من الملكوت وهم الآن كهنة ينتمون لله (الرؤيا 1: 6).

ثم انظر إلى بناء الرسائل إلى الكنائس السبع في الإصحاحات 2 و3. إن وصف المسيح الموجود في بداية كل رسالة يُستمد من الرؤية الموجودة في الرؤيا 1: 12 وما يليه، المتأصلة في المجيء الأول للمسيح وكل ما حققه عندما عاش على الأرض، مع النتائج المستمرة لموته، ودفنه، وقيامته، وصعوده. وكل رسالة تنتهي بوعد يختص بالمستقبل حيث سيتم اختبار النصرة الأخيرة والبركات. وما بين المجيئين، فإن أتباع المسيح مدعوون للتغلب على إغراءات الأخطاء العقائدية، والفساد الأخلاقي، وعبادة الأصنام، والرضا عن النفس، والانتصار على ضغوطات الرفض والاضطهاد. إن المصطلح الذي تم ترجمته "من يغلب" له خلفية حربيّة ويرتبط مع تشبيه كولمان المختص بيومي D-Day وV-Day بشكل جميل.

أخيرًا، يمكننا أن نفكر في هذا الموضوع من وجهة نظر أخرى. إن المقاطع التالية تركز على الشد والجذب المختص بالعيش في المنتصف، أي العيش بين المجيء الأول والثاني للمسيح كما يصفه سفر الرؤيا:

يا لغنانا بالمقارنة بشعب الله في العهد القديم بسبب المجيء الأول للمسيح (1 بطرس 1: 10-12)! بالرغم من أننا نتمتع بالبركات الآن بسبب المسيح (الرؤيا 1: 5 وما يليه؛ 2: 9؛ 3: 7 وما يليه؛ 5: 9 وما يليه؛ 12: 10)، مع ذلك فلزال هناك "مالم يتم بعد". فنحن لسنا أحرارًا من الخطية بعد (رؤيا 2: 4 وما يليه، 14 وما يليه، 20 وما يليه؛ 3: 1 وما يليه، 15 وما يليه؛ 18: 4)، ومازال عدد كبير من المسيحيين يعاني حتى الموت من أجل المسيح (الرؤيا 1: 9 وما يليه؛ 6: 9 وما يليه؛ 11: 1 وما يليه؛ 12: 11؛ 13: 9-10؛ 14: 13؛ 17: 6؛ 20: 4-6). ومع ذلك، نتوقع البركات الأكبر (الرؤيا 7: 9 وما يليه؛ 21: 1 وما يليه)، وننتظر السماوات الجديدة والأرض الجديدة حيث لن يوجد الشر أو الخطية (الرؤيا 20: 11 وما يليه؛ 21: 1-22: 6).

أي علامات يقدمها يوحنا فيما يختص بالمجيء الثاني للمسيح هي غامضة بما يكفي بحيث تدفعنا للاستمرار في العيش وكأن المسيح سيأتي في أي يوم ممكن، حتى وإن لم نعرف التوقيت (الرؤيا 3: 3؛ 16: 15). بينما نقرأ عبر سفر الرؤيا، يبدو أن العالم سيصبح أسوأ جدًا بشكل متزايد (مثال، الرؤيا 16: 16 وما يليه؛ 20: 7 وما يليه)، بحيث سيوجد تتابع لممالك شريرة على شاكلة روما حتى النهاية. وفي الوقت الراهن، يتم تذكير الكنيسة بمسؤوليتها في العبادة والشهادة ومحاربة قوى الشر بينما تنتظر مجيء المسيح.

في سفر الرؤيا نقرأ أن حياة التلميذ هي حياة تحاكي حياة المسيح، أي حياة تحمل الشهادة الأمينة لله (الرؤيا 1: 2، 9؛ 6: 9؛ 11: 7؛ 12: 11، 17؛ 19: 10؛ انظر أيضًا الرؤيا 14: 4 وما يليه) مع الاعتراف أيضًا بأن التلميذ لن يصل للكمال في هذه الحياة. ومع ذلك، يوجد جهاد مستمر في مسيرة الحياة هذه (الرؤيا 2: 10؛ 17: 14؛ 22: 11). يلخص يوحنا الحياة المسيحية من حيث الخلاص كحقيقة حدثت في الماضي، ومسؤولية في الحاضر، ورجاء في المستقبل. لأن المسيح قد خلصنا (الرؤيا 1: 5ب) ولأنه في يوم من الأيام سيكتمل هذا الخلاص (الرؤيا 19: 1 وما يليه)، فيجب على المسيحيين أن يكونوا أمناء في العيش بموجب خلاصهم.

بالضبط مثلما كان هناك صراع بين يومي D-Day وV-Day في الأيام الأخيرة للحرب العالمية الثانية، هكذا سيوجد صراع بين المجيء الأول والثاني للمسيح. يشتمل الصراع الله وخدامه من جانب والتنين وعبيده من جانب أخر. وبالتالي، فقد كُتب سفر الرؤيا ليساعد المسيحيين لكي يبقوا أوفياء للمسيح.

المرجع:

Lowery, R. (2006). Revelation's Rhapsody: Listening to the Lyrics of the Lamb: How to Read the Book of Revelation. Joplin, MO: College Press Pub. Co

أجاب على هذا السؤال: د. جوزيف ر. نالي

الدكتور جوزيف نالي، حاصل على درجة الماجستير في اللاهوت الرعوي والدكتوراه في اللاهوت، هو محرر لاهوتيّ في خدمات الألفيّة الثالثة.